الخصائص العامة للإسلام التجديد والانفتاح على القضايا المعاصرة
نصوص الانطلاق:
قال
الله تعالى:
﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ
شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ
هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
(سورة النحل، الآية 89).
عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله
عليه وسلم قَال: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ
لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا».
(رواه
أبو داود).
عَنْ موسى بن طلحة عن أبيه قال: "مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ"
: «مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ »، فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ
فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا»، قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ،
فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ:
«إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا،
فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا
فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
(ورواه مسلم).
توثيق النصوص:
التعريف بسورة النحل:
سورة النحل مكية ماعدا من
الآية 126 إلى الآية 128 فهي مدنية، من المئين، عدد آياتها 128 آية، ترتيبها السادسة
عشر في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة "الكهف"، بدأت السورة بفعل ماضي
"أتى"، السورة بها سجدة في الآية رقم 50، سميت هذه السورة الكريمة
"سورة النحل" لاشتمالها على تلك العبرة البليغة التي تشير إلى عجيب صنع الخالق
وتدل على الألوهية بهذا الصنع العجيب، سورة النحل من السور المكية التي تعالج موضوعات
العقيدة الكبرى الألوهية والوحي والبعث والنشور إلى جانب ذلك تتحدث عن دلائل القدرة
والوحدانية في ذلك العالم الفسيح في السموات والأرض والبحار والجبال والسهول والوديان
والماء الهاطل والنبات النامي والفلك التي تجري في البحر والنجوم التي يهتدي بها السالكون
في ظلمات الليل إلى آخر تلك المشاهد التي يراها الإنسان في حياته ويدركها بسمعه وبصره
وهي صور حية مشاهدة دالة على وحدانية الله جل وعلا وناطقة بآثار قدرته التي أبدع بها
الكائنات.
التعريف
براوي الحديث:
اشتهر أبو هريرة رضي الله عنه بكنيته حتى لم يعرف اسمه على وجه الدقة، حيث
اختلف أهل العلم في اسمه، وسبب ذلك أن كنيته غلبت على اسمه كثيراً، أبو هريرة صاحب رسول الله
ومن كبار الصحابة، قد أجمع أهل الحديث أن أبا هريرة أكثر الصحابة روايةً وحفظاً لحديث
رسول الله، اسمه في الجاهلية عبد شمس بن صخر، ولما أسلم سماه رسول الله عبد الرحمن
بن صخر الدوسي نسبة إلى قبيلة دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران، والأشهر في اسمه أنه عبد الرحمن، وقيل: عبد الله، وقيل كان اسمه عبد شمس
فغيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الرحمن، وهو من قبيلة عربية معروفة، فهو
دوسي، ودوس بطن من الأزد، سمي بأبي هريرة، قال رضي الله عنه: (كنت أرعى غنم أهلي، وكانت
لي هريرة صغيرة، فكنت أضعها بالليل في شجر، فإذا كان النهار ذهبت بها معي، فلعبت بها
فكنوني "أبا هريرة")، أسلم في قبيلة دوس على يد
الطفيل بن عمرو الدوسي سنة 7 هـ، وهو وحده الذي أجاب دعوة الطفيل بن عمرو الدوسي بعد
أبي الطفيل وزوجه، عندما دعا الطفيل قبيلته دوسًا إلى الإسلام، وقدم مع الطفيل بن عمرو
الدوسي إلى الرسول عندما طلب الطفيل من رسول الله أن يدعو على قبيلة دوس، وقال أبو
هريرة عندها "هلكت قبيلة دوس" ولكن النبي قال "اللهم أهد دوسا"،
كان للنبي الأثر الأكبر في تنشئة وتربية أبي هريرة، فمنذ أن قدم إلى النبي لم يفارقه
مطلقاً، وخلال سنوات قليلة حصل من العلم عن الرسول ما لم يحصله أحد من الصحابة جميعًا،
وكان النبي يوجهه كثيرًا، فعنه أن النبي قال له: "يا أباهريرة كن ورعا تكن أعبد
الناس"، طال عمر أبي هريرة بعد الرسول 47 عاما، ودخل مروان بن الحكم عليه في مرضه
الذي مات فيه فقال شفاك الله، فقال أبو هريرة: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي، ثم
خرج مروان فما بلغ وسط السوق حتى توفي، وتوفي بالمدينة المنورة ودفن بالبقيع عام
57 هـ عن عمر ناهز 78 عاما، وقد روى عنه نحو ثمانمائة رجل من الصحابة والتابعين وغيرهم،
وروى عنه أصحاب الكتب الستة ومالك بن أنس في موطأه، وأحمد بن حنبل في مسنده، وقد جمع
أبو إسحاق إبراهيم بن حرب العسكري المتوفى سنة 282 هـ مسند أبي هريرة.
الشرح اللغوي والاصطلاحي:
§
تبيانا: توضيحا وتفسيرا واستيعابا لكل
شيء.
§
يجدد: يحيي التدين في نفوس الناس، ويجتهد
في استيعاب الإسلام لقضايا العصر.
§
الظن: العلم بغير يقين، وإدراك الذهن
الشيء مع ترجيحه وقد يكون مع اليقين.
استخلاص مضامين النصوص:
ü
بيان استيعاب الإسلام لجميع التطورات
الحاصلة، وقدرته على حل الإشكالات المستجدة عبر العصور.
ü
فتح المجال أمام العلماء المتخصصين للاجتهاد
والتجديد والبحث عن الحكم الشرعي المناسب للقضايا المستجدة التي لا نص فيها.
ü وجوب تضافر جهود علماء الأمة من مختلف التخصصات للقيام
بواجب الاجتهاد وتجديد الدين.
تحلييل المفاهيم
مفهوم التجديد:
التجديد لغة: توضيح
الشيء وتصييره جديدا، واصطلاحا: هو الاجتهاد في القضايا الجديدة التي تظهر في الزمان
والمكان يمارسه علماء الأمة لتحقيق خاصية الانفتاح والتوصل إلى الحكم الشرعي المناسب.
المجدد:
هو العالم المتميز
بالورع والتقوى المستوعب للقرآن والسنة وعالم بقواعد اللغة العربية، العارف بالوقائع
والأحوال التي يعيشها عصره المطلع على الثقافات السائدة وحاجات الناس المتجددة.
مجالات التجديد:
لتجديد الدين مجالان
هما:
أ -
الثوابت القطعية: والتي قررها ديننا المتعلقة بالعقائد والعبادات وأصول المعاملات وغيرها،
وتجديدها يكون بإزالة الآثار السلبية التي تصيبها بفعل التقليد، والابتداع ... يقول
الرسول عليه السلام (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد) ويقول: (جددوا إيمانكم.قيل
يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله) الحاكم في المستدرك.
ب -
النوازل والمستجدات الناجمة عن تغير أنماط العيش عبر الزمان والمكان: ويتم التجديد فيها
بإعطائها الحكم الشرعي المناسب لها، ومن ذلك الاجتهاد والتجديد في تدبير شؤون الحياة
الاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية والفنية والتقنية وغيرها مما لا يعارض مقاصد
الإسلام وقيمه فذلك مطلوب وممدوح لقول الرسول (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها
وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ....الحديث).
ضوابط التجديد:
ليحقق التجديد مهمته
على أتم وجه لا بد من مراعاة ما يلي:
أ - فقه
الشرع: من طرف المجدد
بتوفره على مجموعة من الشروط، كالعلم بالقرآن والسنة وما يتعلق بهما من قواعد ومتمكنا
من علوم اللغة والفنون الأخرى المساعدة على الفهم ومراعيا مقاصد الشريعة الدائرة على
(جلب المصالح ودفع المفاسد) وأن يكون تقيا ورعا مخلصا لله.
ب - فقه
الواقع: باستيعاب واقع
الناس الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والبيئي بصفة شاملة حتى يتمكن المجدد
من إصابة مقصود الشرع في ما جد من قضايا ونوازل ... وفي العصر الحاضر يجب أن تتضافر
جهود الجميع من مختلف التخصصات للقيام بواجب التجديد والاجتهاد.
ضرورة الانفتاح والتجديد في تطور المجتمعات الإسلامية:
تجديد الدين أصبح ضرورة وفريضة في هذا العصر لكثرة التحديات التي تواجهها الأمة في ظل العولمة لتحافظ على هويتها وتساهم في بناء الحضارة، والشريعة الإسلامية تمتلك من عوامل المرونة ما يجعل أحكامها تساير كل مستجدات العصر وتستوعب كل قضايا الإنسان في مختلف الأزمنة والأمكنة، ولذلك دعا الإسلام إلى الاجتهاد في استنباط الأحكام المناسبة اعتمادا على القواعد العامة التي قررها، وقدر الثواب الجزيل لهذا العمل الجليل كما جاء في الحديث (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد)، وبذلك استوعب الإسلام كل القضايا المستجدة المتعلقة بحقوق الإنسان وحماية البيئة واستثمار تكنولوجيا الإعلام والاتصال والتوعية الصحية وغيرها مما تتيسر به سبل الحياة في عصرنا الحاضر لأن ذالك من صلب مقاصده وأسمى غاياته، وفيما يلي نماذج لبعض القضايا من ثلاث مجالات:
أ -
المجال التعبدي: كالصلاة في الطائرة والقطار والحافلة وغيرها من وسائل النقل الحديثة إذا
طالت الرحلة حفظا للدين بأداء الصلاة في وقتها.
ب -
المجال المالي: كالتأمين التعاوني
بالتعاقد بين جماعة من الناس يربطهم مجال معين، وهو جائز لمنافعه وتحقيقه مبدأ التعاون
والتكافل.
د - المجال
الطبي: كنقل الدم تبرعا
من شخص صحيح إلى آخر مريض: وهو جائز لما يحققه من مصالح العباد بحفظ النفوس وتحقيق
مبدأ الإيثار والتعاون ... وغير ذلك، مما يدل على مرونة الإسلام وسعته وشموله لكل جديد
وهو ما يجعله قابلا للتطبيق في كل زمان ومكان.
1 التعليقات:
هيدا الشي والله جميل بارك الله فيكم ياخواني الله ينصركم
إرسال تعليق